سورة القصص - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


قوله تعالى: {وحرمنا} يقتضي أن الله تعالى خصه من الامتناع من ثدي النساء بما يشد به عن عرف الأطفال وهو تحريم تنقيص، و{المراضع} جمع مرضع واستعمل دون هاء التأنيث لأنه لا يلتبس بالرجال.
وقوله تعالى: {من قبل} معناه من أول أمره، و{قبل} مبني، والضمير في {قالت} لأخت موسى قال النقاش اسمها مريم، و{يكفلونه}، معناه يحسنون تربيته وإرضاعه، وعلم القوم أن مكلمتهم من بني إسرائيل وكان ذلك عرف بني إسرائيل أن يكونوا مراضع وخدمة، وقوله {وهم له ناصحون} يحتمل أن الضمير يعود على الطفل ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمره من جملته، وقال ابن جريج: إن القوم تأولوا أنها أعادت الضمير على الطفل فقالوا لها إنك قد عرفته فأخبرينا من هو فقالت: ما أردت إلا أنهم ناصحون للملك: فتخلصت منهم بهذا التأويل.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يعود الضمير على الطفل ولكن يكون النصح له بسبب الملك وحرصاً على التزلف إليه والتقرب منه، وفي الكلام هنا حذف يقتضيه الظاهر وهو أنها حملتهم إلى أم موسى وكلموها في ذلك فدرت عليه وقبلها وحظيت بذلك وأحسن إليها وإلى أهل بيتها، و{قرت عينها} أي سرت بذلك، وروي أن فرعون قال لها: ما سبب قبول هذا الطفل؟ فقالت إني طيبة الرائحة طيبة اللبن ودمع الفرح بارد ودموع الهم حرّى سخنة فمن هذا المعنى قيل قرت العين وسخنت، وقرأ يعقوب {نُقِر} بنون مضمومة وكسر القاف، و{وعد الله} المشار إليه وهو الذي أوحاه إليها أولاً إما بملك وإنما بمنامة وإما بإلهام حسب اختلاف المفسرين في ذلك، والقول بالإلهام يضعف أن يقال فيه {وعد}، وقوله تعالى: {أكثرهم} يريد القبط، والأشد، جمع شدة كنعمة وأنعم، هذا قول سيبويه وقال غيره: الأشد جمع شد وقالت فرقة الأشد اسم مفرد وليس بجمع، واختلف في قدر الأشد من السنين، فقالت فرقة: بلوغ الحلم وهي نحو خمسة عشر عاماً، وقالت فرقة: ثمانية عشر عاماً، وقال السدي: عشرون، وقالت فرقة: خمسة وعشرون، وقالت فرقة: ثلاثون، وقال مجاهد وابن عباس: ثلاثة وثلاثون، وقالت فرقة عظيمة: ستة وثلاثون، وقال مجاهد وقتادة الاستواء أربعون سنة، وقال مكي وقيل هو ستون سنة وهذا ضعيف، والأشد شدة البدن واستحكام أسره وقوته، و{استوى} معناه تكامل عقله وحزمه، وذلك عند الجمهور مع الأربعين، والحكم الحكمة، والعلم، والمعرفة بشرع إبراهيم عليه السلام وهي مقدمة نبوته عليه السلام، واختلف المتأولون في قوله تعالى {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} فقال السدي: كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون وكان يركب مراكبه حتى أنه كان يدعى موسى بن فرعون، فقالوا فركب فرعون يوماً وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف ثم علم موسى بركوب فرعون فركب بعده ولحق بتلك المدينة في وقت القائلة وهو حين الغفلة، قاله ابن عبس وقال أيضاً هو ما بين العشاء والعتمة، وقال ابن إسحاق بل {المدينة} مصر نفسها، وكان موسى في هذا الوقت قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون فكان مختفياً بنفسه متخوفاً منهم فدخل متنكراً حذراً مغتفلاً للناس، وقال ابن زيد: بل كان فرعون قد نابذه وأخرجه من المدينة وغاب عنها سنين فنسي أمره وجاء هو والناس على غفلة بنسيانهم لأمره وبعد عهدهم به، وقيل كان يوم عيد، وقوله تعالى: {يقتتلان} في موضع الحال أي مقتتلين، و{شيعته} بنو إسرائيل، و{عدوه} القبط، وذكر الأخفش سعيد استعانه بالعين غير معجمة وبالنون وهي تصحيف لا قراءة، وذكر الثعلبي أن الذي {من شيعته} هو السامري وأن الآخر طباخ فرعون، وقوله {هذا} {وهذا} حكاية حال قد كانت حاضرة ولذلك عبر ب {هذا} عن غائب ماض، والوكز الضرب باليد مجموعاً كعقد ثلاثة وسبعين، وقرأ ابن مسعود {فلكزه} والمعنى واحد، إلا أن اللكز في اللحا، والوكز على القلب، وحكى الثعلبي أن في مصحف ابن مسعود {فنكزه} بالنون المعنى واحد، {وقضى عليه}، معناه قتله مجهزاً، وكان موسى عليه السلام لم يرد قتل القبطي لكن وافقت وكزته الأجل وكان عنها موته فندم ورأى أن ذلك من نزغ الشيطان في يده، وأن الغضب الذي اقترنت به تلك الوكزة كان من الشيطان ومن همزه، ونص هو عليه السلام على ذلك وبهذا الوجه جعله من عمله وكان فضل قوة موسى ربما أفرط في وقت غضبه بأكثر مما يقصد.


ثم إن ندم موسى حمله على الخضوع لربه والاستغفار عن ذنب باء به عنده تعالى فغفر الله خطأه ذلك. قال قتادة: عرف والله المخرج فاستغفر.
قال القاضي أبو محمد: ولم يزل عليه السلام يعتمد ذلك على نفسه مع علمه بأنه قد غفر حتى أنه في القيامة يقول وقتلت نفساً لم أؤمر بقتلها حسبما صح في حديث الشفاعة، ثم قال عليه السلام لربه معاهداً {رب} بنعمتك علي وبسبب إحسانك وغفرانك فأنا ملتزم ألا أكون معيناً {للمجرمين} هذا أحسن ما تؤول.
وقال الطبري إنه قسم أقسم بنعمة الله تعالى عنده ويضعفه صورة جواب القسم فإنه غير متمكن في قوله {فلن أكون}، والقسم لا يتلقى ب لن، والفاء تمنع أن تنزل لن منزلة لا أو ما فتأمله واحتج الطبري بأن في قراءة عبد الله {فلا تجعلني ظهيراً}.
قال الفقيه الإمام القاضي: واحتج أهل العلم والفضل بهذه الآية في خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم ورأوا أنها تتناول ذلك، نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره، وقوله تعالى {فأصبح} عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته كما تقول: أصبح زيد عالماً، و{يترقب} معناه عليه رقبة من فعله في القتل فهو متحسس، قال ابن عباس: فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر من القبط، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم فلما رأى الإسرائيلي موسى استصرخه بمعنى صاح به مستغيثاً ومنه قول الشاعر [سلامة بن جندل]: [البسيط]
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع *** كان الصراخ له فزع الظنابيب
فلما رأى موسى قتاله لآخر أعظم ذلك وقال له معاتباً ومؤنباً {إنك لغوي مبين} وكانت إرادة موسى مع ذلك أن ينصر الإسرائيلي فلما دنا منهما خشي الإسرائيلي وفزع منه وظن أنه ربما ضربه وفزع من قوته التي رأى بالأمس فناداه بالفضيحة وشهر أمر المقتول.


قرأ جمهور القراء {يبطِش}، وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهما لغتان، فقال الإسرائيلي لموسى معنى الآية بلسانه وفر منه فشهر أمر القتيل، والجبابرة شأنهم قتل الناس بغير حق فلذلك جعله الإسرائيلي كذلك ونفى عنه الإصلاح، قال الشعبي: من قتل رجلين فهو جبار، ولما اشتهر أن موسى قتل القتيل وكان قول الإسرائيلي يغلب على النفوس تصديقه على موسى مع ما كان لموسى من المقدمات أتى رأي فرعون وملئه على قتل موسى وذبحه، غلب على نفس فرعون أنه المشار إليه بفساد المملكة فأنفذ فيه من يطلبه من جنده ويأتي به للقتل فخرج على الطريق الأعظم، وأخذ رجل يقال إنه مؤمن آل فرعون ويقال إنه غير في بنيات الطريق قصد إلى موضع موسى فبلغه قولهم له {إن الملأ} الآية، و{يسعى} معناه يسرع في مشيه قال الزجاج وغيره وهو دون الجري، وقال ابن جريج: معناه يعمل وليس بالشد.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذه نزعة مالك رحمه الله في سعي الجمعة والأول عندي أظهر في هذه الآية: و{يأتمرون} وزنه يفتعلون ويفتعلون يأتي كثيراً بمعنى يتفاعلون، ومنه ازدوج بمعنى تزاوج، وذهل ابن قتيبة إلى أنه بمعنى يأمر بعضهم بعضاً وقال: لو كان ذلك لكان يتأمرون.
قال الفقيه الإمام القاضي: وذهب عنه أن يفتعل بمعنى يتفاعل وفي القرآن {وأتمروا بينكم بمعروف} [الطلاق: 6]، وقد قال النمر بن تولب: [المتقارب]
أرى الناس قد أحدثوا شيمة *** وفي كل حادثة يؤتمر
وأنشد الطبري: [الكامل]
ما تأتمر فينا فأمرك في *** يمينك أو شمالك
ومنه قول ربيعة بن جشم: [المقارب]
أجار بن كعب كأني خمر *** ويعدو على المرء ما يأتمر
فخرج موسى عليه السلام وأفلت القوم فلم يجده أحد منهم وخرج بحكم فزعه ومبادرته إلى الطريق المؤدية إلى مدين وهي مدينة قوم شعيب عليه السلام، وكان موسى لا يعرف تلك الطريق، ولم يصحب أحداً، فركب مجهلتها واثقاً بالله تعالى ومتوكلاً عليه، قال السدي ومقاتل: فروي أن الله تعالى بعث إليه جبريل، وقيل ملكاً غيره، فسدده إلى طريق مدين وأعطاه عصا يقال هي كانت عصاه، وروي أن عصاه إنما أخذها لرعي الغنم في مدين وهو أصح وأكثر، وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام قاله ابن جبير والناس، وكان ملك مدين لغيرفرعون، وحكى الطبري عن ابن جريج أو ابن أبي نجيح، شك الطبري أنه قال: إن الذي {أراد أن يبطش} هو الإسرائيلي فنهاه موسى عن ذلك بعد أن قال له {إنك لغوي مبين} [القصص: 18] ففزع الإسرائيلي عند ذلك من موسى وخاطبه بالفضح وكان موسى من الندامة والتوبة في حد لا يتصور معه أن يريد البطش بهذا الفرعوني الآخر، وروى ابن جريج أن اسم الرجل الساعي {من أقصى المدينة} شمعون، وقال ابن إسحاق: شمعان.
قال الفقيه القاضي أبو محمد: والثبت في هذا ونحوه بعيد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8